"نيويورك تايمز": شرطة جنوب إفريقيا تواصل استخدام التعذيب بأساليب الفصل العنصري
"نيويورك تايمز": شرطة جنوب إفريقيا تواصل استخدام التعذيب بأساليب الفصل العنصري
كشفت تقارير صحفية عن استمرار انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا، إذ تواصل الشرطة استخدام أساليب تعذيب تعود إلى الحقبة المظلمة من الفصل العنصري، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على نهايته، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير لها، الأحد.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن الحكومة التي يقودها مناضلون سابقون ضد الفصل العنصري، من بينهم رموز في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، تشرف على أجهزة أمنية تواجه اتهامات خطِرة باستخدام التعذيب في مقرات الشرطة.
ورصدت الصحيفة، بالتعاون مع منظمة "فيو فايندر"، 1700 شكوى تتعلق باستخدام الشرطة لأنابيب بلاستيكية في تعذيب المشتبه بهم بين عامي 2012 و2023، بما يعادل ثلاث شكاوى أسبوعيًا.
أنابيب التعذيب
وثقت الصحيفة شهادات لمواطنين تعرّضوا لتعذيب قاسٍ باستخدام الأكياس البلاستيكية التي تُثبت على الرأس وتُرش برذاذ الفلفل، بما يُعرف محليًا بـ"الأنابيب"، وتوفي بعض الضحايا نتيجة لهذا التعذيب، كما في حالة إنوسنت سيبيديلا، الذي فقد حياته داخل مركز للشرطة بجنوب جوهانسبرغ.
وأكّد المحقق السابق موكيتسي دونامينت موليكو، والذي كان شاهدًا على تعذيب سيبيديلا، أن الضباط لفوا كيسًا بلاستيكيًا على رأسه بعد رشّه بمادة حارقة، ما أدى إلى فقدانه الوعي وموته لاحقًا، ورغم إدانة الضابطين المسؤولين عام 2020، تكررت الحوادث لاحقًا دون محاسبة تذكر.
وأظهرت البيانات الرسمية أن الشرطة فصلت ضابطًا واحدًا فقط خلال 11 عامًا بسبب هذه الانتهاكات، في حين أُدين ستة ضباط فقط في المحاكم، ولم ترد وزارة الشرطة على استفسارات تفصيلية، واكتفت ببيان مقتضب أكدت فيه رفضها للتعذيب.
وصرّح خولو مباثا، المحارب السابق في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أن استمرار هذه الممارسات يعيد للأذهان ذكريات مريرة من زمن الفصل العنصري، وأضاف أن وعد الحزب في 1994 ببناء دولة حقوق الإنسان قد خُذل.
اعترافات من داخل الجهاز الأمني
روى المحقق السابق مادودا زولو أنه استخدم الأنابيب خلال عمله لحل قضايا خطِرة، قبل أن يتحوّل لاحقًا إلى ناقد لهذه الممارسات بانضمامه إلى هيئة رقابة شرطية حكومية، وقال إن الأنابيب لا تترك آثارًا جسدية، ما يصعّب مساءلة الضباط.
وصرّح ضباط حاليون وسابقون بأن استخدام التعذيب يُعد وسيلة ضغط للحصول على اعترافات، وأكّد أحد المحققين أنه استخدم هذا الأسلوب مئات المرات، معترفًا بأن التعذيب صار جزءًا روتينيًا من العمل، رغم عدم فعاليته وشرعيته.
وقال الضابط السابق باتريك جوسلينج إن رؤساءه كانوا يطالبون شهريًا بحصص من الأسلحة المصادرة والاعتقالات الكبرى، وإن الفشل في تحقيق ذلك كان يؤدي إلى الإهانة والتوبيخ، وأضاف أن هذه الثقافة خلقت بيئة خصبة للتعذيب والانتهاكات.
وفي المقابل، اعتبر توميلو موغوديسينغ، الأمين العام لاتحاد الشرطة، أن الادعاءات مبالغ فيها، واتهم المشتكين بمحاولة تعطيل عمل الشرطة.
شهادات الضحايا
أكّد المواطن مثوكوزيسي نجوباني، وهو مزارع ريفي، أنه تعرّض للتعذيب مرتين بأنابيب بلاستيكية، الأولى قبل خمس سنوات عندما داهمت الشرطة مزرعته، والثانية في 2022، وقال إنه لا يملك سلاحًا ناريًا، وقدم شكوى لهيئة الرقابة التي لم ترد حتى الآن.
أوضح الرقيب أندريس سومزي، الذي تعرّض هو الآخر للتعذيب على يد زملائه، أن الضباط يظنون أنفسهم محصّنين، وصرّح بأن التحقيق في شكواه مستمر منذ عامين دون نتيجة.
إرث الفصل العنصري
أفادت لجنة الحقيقة والمصالحة عام 1998 أن التعذيب لم يتوقف بعد نهاية الفصل العنصري، بل تزايد في بعض الفترات، وأوصت حينها باتخاذ تدابير عاجلة، وهو النداء الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم.
وحذّر اختصاصي الطب الشرعي، الدكتور ستيف نايدو، من أن هذا النوع من التعذيب قد يؤدي إلى السكتة القلبية أو الموت المفاجئ، وأكّد أن الأساليب المُستخدمة لا تزال كما كانت في عهد الأبارتايد، رغم تغيّر الوجوه.
صرّح رئيس لجنة حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا، كريس نيسن، أن الشرطة غالبًا ما ترفض الاعتراف بالشكاوى التي تُقدم ضدها، وأكد أن وكالته ترسل تقارير دورية، لكن دون استجابة تُذكر.
فشل التشريعات والمساءلة
رغم إصدار قانون يُجرّم التعذيب عام 2013، وتضمينه في أدلة التدريب الشرطي، لا تزال هذه الأساليب تُمارَس بسبب غياب الرقابة والتدريب الكافي، وضعف المحاسبة.
تؤكد هذه التحقيقات أن جنوب إفريقيا، التي حلمت ذات يوم بالعدالة بعد الفصل العنصري، لا تزال تُخفق في وقف أسوأ ممارسات الماضي.